العادة القاتلة

استمر إطلاق النار في حفلات الزفاف والجنازات في لبنان على الرغم من خسائر في الحياة

من تمارا سليمان 

unsplash-image-XWC5q9_Xp0o.jpg

يرتدي المدعوون أجمل الثياب ويلتقطون الصور ويتجهون نحو صالة الأفراح حيث يقام حفل الزفاف. يتكرر هذا المشهد خلال فصل الصيف في لبنان. يهتم اللبنانيون فحفلات زفافهم حيث يجمع العروسان وذويهما الكثير من المال ولإقامة العشاء الساهر وشراء الأزهار والهدايا وتجهيز الصالة من إضاءة مميزة وموسيقى راقصة. يبدأ حفل الزفاف الطبيعي بالموسيقى الهادئة ومن ثم ينتقل إلى الموسيقى الصاخبة والرقص وتناول العشاء وفي الآخر السهرة يقوم العروسين برقصتهما الأولى وقطع قالب الحلوى. 

هذا الأمر يبدو طبيعيًّا وممتعًا في معظم البلدان لكن في لبنان، يتخلل الحفل شيء آخر وهو من غير الطبيعي – اطلاق الرصاص في الهواء. الأمر يبدو مرعبًا في البداية ولكنه يسوء مع الوقت. في العديد من حفلات الزفاف التي تقام في الأرياف، يقوم أحد المدعوين باطلاق الرصاص في الهواء من زاوية خطرة جدًا. يعتبر اطلاق النار خلال الزفاف عمل يعبّر عن الفرح والبهجة والسعادة. في معظم الأحيان، تصيب الرصاصة شجرة أو لمبة ولكن في بعض الأوقات، قد يصاب شخص ما ما يؤدي إلى جرحه أو قتله. هذه الرواية تحدث باستمرار في لبنان. بحسب تقرير من قناة الميادين، نتج عن الرصاص الطائش 102 جريحًا و45 قتيلًا بين عامي 2013 و2019. المشكلة هي أن الرصاصة في العادة لا تصيب أحد المدعوين بل تصيب فردًا جالسًا على شرفة المنزل مستمعًا للموسيقى. ومن الطبيعي أيضًا ألّا يحاسب أحد وأن يبقى مطلق الرصاص مجهولًا بالرغم من رؤيته خلال الحفل. يعزّي أهالي الضحية أنفسهم ويبقى القاتل مجهولًا بحسب القضاء الذي لايحرّك ساكنًا. 

العادة القاتلة هذا لا يحدث في المناسبات السعيدة فقط. ففي مراسيم الدفن والعزاء يقوم أحد الموجودين باطلاق الرصاص أيضًا. حتى في أكثر الأوقات قلقًا وكآبة، يبررون أفعالهم القاتلة على أنها معبّرة عن الحزن. فإن كان من توفي شابًا، يطلقون الرصاص استنكارًا لما حدث وكأن الرصاص يرد ميتًا. ففي تشييع أحد ضحايا انفجار بيروت في الواحد والعشرين من شهر آب هذا العام في منطقة عين الرمانة، اطلق أحدهم الرصاص ليصيب كابتن أحد الأندية الرياضية وهو مات. انتشرت صور مطلق الرصاص على وسائل التواصل الإجتماعي وحتى اليوم، لا خبر عن توقيف ولا التحقيق. 

وجدت هذه العادة في العالم العربي منذ أن وجدت الشعوب العربية. قد يعبّر عن الأحاسيس الغاضبة والمشوقة والحزينة والسعيدة. كيف بدأت هذه الظاهرة؟ من الذي اعتقد أنها فكرة سديدة؟ خسرت العائلات أفرادها وأصيب الكثيرون بجروح بليغة. على الجميع أن يعلم بأن الرصاصة التي تُطلق في الهواء، لا بد من أن تعود إلى الأرض. أما في غياب العقوبات التي تمنع هذا العمل من التكرار، تبقى هذه العادة مرسخة في المنطقة لتزيد الخوف والقلق والألم. 

لوديعة التي أصيبت برصاصة زفاف في نيسان عام 2014، 

ولحسين الذي أصيب برصاصة انتخابات بلدية في أيار عام 2016،

ولسارا التي أصيبت برصاصة زحمة سير في أيار عام 2017،

ولورود التي أصيبت برصاصة شجار في حزيران عام 2020، 

ولمحمد الذي أصيب برصاصة مراسيم دفن في آب عام 2020، وغيرهم من الذين أصيبوا بجروح أو قُتلوا، ستتحقق العدالة مع زوال هذه العادة القاتلة. 

تمارا سليمان طالبة ماجستير في اللغة الإنجليزية والألسنيات في الجامعة الأميركية في بيروت

Previous
Previous

الاعتياد على تغيير الوظيفة

Next
Next

العنقاء التي تُبعث من جديد